سجن روميه هو الأكبر في لبنان. يقع في محافظة جبل لبنان ويستوعب قرابة 5500 سجين. يُعد روميه أكثر سجون لبنان اكتظاظاً وأسوأها سمعة، ويأوي محكومين ومحتجزين احتياطياً قيد الاستئناف، بينما يُفصل المساجين القُصّر في عنابر مخصّصة.

أبو عبدو

نشأت في برج البراجنة. بالكاد عرفت أبي، كان غائباً أغلب الوقت. بدأت الذهاب إلى بريتال لإحضار كميات قليلة من الحشيش والكوكايين لتوزيعها في دوائر أصدقائي المقرّبين. كان مكسباً سهلاً، لذا وسّعت نطاق عملي وشرعت بالبيع لأناسٍ آخرين.

أوقف أبي في فرنسا بتهمة تتعلق بالمخدرات، وحُكم بالسجن. في عقده السادس سُجن في لبنان على خلفية مذكرة توقيف قديمة، وأُطلق سراحي بينما لم يزل هو مسجوناً. مات أبي بالسجن.

الليل: جاؤوا للقبض عليّ، كنت أعلم بقدومهم، فقد أفادني مصدرٌ بالمعلومة مسبقاً. كان من المفترض أن يكون ذلك عند الفجر، وجدتها فرصة سانحة لأحظى ببعض الراحة. لكن خذلني جسدي ولم أستطع الاستيقاظ. جاؤوا عند الخامسة فجراً، وبمنتهى البساطة أمسكوا بي.

اعتدت الاختباء على أطراف بريتال، الجيش يتجنّب الذهاب إلى هناك، فهي منطقةٌ خارج حدود سيطرته. يلجأ كثيرٌ من الناس للاختباء هناك أيضاً. اعتدت أن أمكث هناك لأيام وأسابيع، حتى زوجتي لم تكن لتعرف مكاني.

يحيى هو ابني الأصغر، وُلد بعد إطلاق سراحي، وسمع الكثير عن هربي واختبائي. بمرور الوقت تعوّد حين يرى عناصر الشرطة أن يصيح: أبي، أبي، إنهم من الدرك، احترس!

بعض الأحيان أعمل مع الصحفيين وفرق الإنتاج الذين يأتون إلى المنطقة للتصوير. أود أن أصبح معروفاً في هذا المجال.

أدعو الله ألا أُذعن للشر وأزلّ مرة أخرى. إلا أن ذلك ليس بالأمر الهين، بل هو كفاح متواصل... أنا مديون منذ أن خرجت من السجن.

لم يزعجني أنني اعتقلت، ما أزعجني فعلاً كان الظلم، والقانون في لبنان ظالم. البعض يُحكم بالسجن لخمس سنوات لأنه دخّن مع أحدهم، والبعض الآخر يضرب بالقانون عرض الحائط كل يوم دون أن يُحاسَب لأنه محميّ وغير قابل للمسّ.

لا أريد لأولادي أن يصبحوا مثلي. أعتقد أن المدرسة تؤمن لهم بيئة أفضل وأكثر صحة لينشأوا فيها.

أشعر في بعض الأحيان أنني كنت أكثر سعادةً في السجن. أشعر أن حياتي حينها كانت أفضل مما هي عليه الآن. الناس بالسجن أكثر وفاءاً. ليس من شيء لإخفائه، تعرف جرم كل واحد وخطاياه، كل شي مطروحٌ على الطاولة. السجن انعكاس للمجتمع، إلا أنه انعكاس أكثر شفافية.

حسين

حسين، 45 عاماً، نشأ في الكويت وانتقل إلى لبنان في العام 2003. بعد انتقاله بسنة، اعتقل بتهمة حيازة المخدرات. منذ ذلك الحين، دخل حسين السجن وخرج منه أربع مرات، كلٌ منها لسببٍ مختلف: عملة مزيفة وسرقة سيارة وشيك مزور. أُطلق سراحه في العام 2014 ويعيش الآن في عاليه بجبل لبنان محاولاً لملمة ما تبقى من حياته.

قضيت أغلب حياتي في لبنان خلف القضبان. أغلب من قابلت في لبنان، قابلتهم في السجن.

اعتقل حسين للمرة الأولى في ضهر البيدر على طريق العودة من وادي البقاع. كان بحوزته 200 غرام من الحشيش وحُكم بالسجن لثلاث سنوات وثمانية أشهر.

تُوفي أبي وأنا سجين. لم يخبرني أحد، علمت فقط عندما خرجت. يوم إطلاق سراحي لم يكن هناك أحد بانتظاري.

بعد إطلاق سراحه للمرة الثانية، كان حسين بحاجة ماسّة للمال. اشترى عملات مزورة وحاول استبدالها بأخرى حقيقية من متجر سبينيز وعندها اعتقل للمرة الثالثة.

بعد خروجه من السجن مكث عند أخته التي كانت قد أرسلت زوجها لاصطحابه من هناك. دبّ الخلاف بينهم بمرور الوقت.

منذ ذلك الحين، اعتقل حسين لمرتين. هذه المرة كان بانتظار صديق له لتبديل عملة مزورة. اعتقل وحُكم بالسجن لعام ونصف. 

بعد إطلاق سراحه وجد عملاً كبنّاء.

أحب أن أعمل بجهد. أقوم بما يقوم به شخصان أو ثلاثة، يشغلني ذلك عن التفكير.

كسر حسين رجله في موقع البناء. سقط دلو من الباطون فوق قدمه.

في هذه الفترة، حُرقت شقة حسين أثناء نومه، أيقظته حرارة اللهب.

عندما التقيت حسين، أعطيته كامرا 35مم وطلبت منه أن يصور حتى يمكننا العمل بينما نتحدث. كان ذلك عمله.

حملت أمي 22 مرة، وعاش لها 11 ولداً. أتعجب كيف يستمرئ الناس الإنجاب وهم ليسوا أهلاً للمسؤولية.

 ليس لدي عمل منذ شهرين وأنا الآن مديون.

أشعر في بعض الأحيان أني منحوس، لا أعلم لم يحدث ذلك لي.

الكلاب أكثر وفاءاً من البشر، لدي ستلا، وهي من يؤنسني. 

أظن أنني إذا عدت إلى الكويت ستكون الأمور على ما يُرام.